كثيرون
يقولون الخير من الله والشر من الله وهذا خطأ كبير ، الخير من الله هذا
هو الصحيح والشر لم يكن الله سبحانه وتعالى في أي حال من الأحوال خالقاً
أو نابعاً منه . كيف يكون هو خالق الشر وسبب الشرور وهو الإله الذي نطلق
عليه كل الصفات والفضائل والكمال من ناحية المحبة ومن ناحية الكمال المطلق
؟ لكن يبقى السؤال من أين ينتج الشر أو من أين أتى ؟
يعلم
الكثيرون أن الله خلق آدم من تراب الأرض ووضعه في جنة عدن ، وترك له حرية
الأكل من جميع شجر الجنة ولكنه تعالى منعه أن يأكل من شجرة واحدة هي شجرة
معرفة الخير والشر . ونظراً لكبرياء آدم ومحبته لنفسه ونظراً لأن الشيطان
هو الذي أغوى حواء ، وحواء لم تكن في الواقع متأكدة تماماً من كلام الرب
ولا من وصيته ، لهذه الأسباب كلها ضعف آدم أمام شهوته واستسلم لإرادة
زوجته وأكل من ثمر شجرة معرفة الخير والشر وعصا بذلك أمر الخالق له المجد .
وقد يسأل أحدنا أيضاً من أين جاء الشيطان نفسه وأغوى حواء ؟
الشيطان
في الأصل هو ملاك وهذا الملاك وقع في خطيئة الكبرياء ، فرفضه الله وطرده
من حضرته وأصبح عمله دائماً وأبداً عرقلة عمل كلمة الله في قلوب الناس ،
لهذا بدأ بحواء وآدم وهو يعمل دوماً ويحاول أن يبعد الإنسان عن طريق
الخالق .
الخطيئة إذاًِ هي في الأصل خطيئة الكبرياء ( رفض الطاعة
) ، لقد خلق الله آدم حر الإرادة يتمتع بإرادة حرة تستطيع أن تفرق بين
الخير والشر . ولهذا طلب الله إلى آ دم أن يكون صالحاً وكون الإنسان
صالحاً يتطلب أن يكون حر الإرادة ، وإلا كيف يمكن أن يكون صالحاً دون
إرادة حرة ؟ والإنسان رفض إرادة الله وقبل الشر الذي قدمه إليه أبو
الشرور وأبو الكذب عدو الإنسانية ( الشيطان ) . وعندما عصى آدم سقط إذن
ونتيجة السقوط دخول الخطية إلى الجنس البشري ، إذاً لم يخلق الله الشر
وإنما يسمح بوجوده بسبب الحرية التي أعطاها للإنسان في الاختيار . وسماح
الله للشرور في العالم لكي يتمم مقاصده الصالحة التي سوف ندركها في
المستقبل ، كثير من الأمور لا نستطيع أن نفهمها في الوقت الحاضر ونطرح على
أنفسنا وعلى غيرنا الأسئلة التي لا نجد لها الجواب.
ومن هنا قد يطرح أحدنا سؤالاً آخر في هذا الموضوع ويقول ، لماذا أراد الله لآدم أن يسقط في الخطية ثم قام بعد ذلك وأرسل له مخلصاً ؟
إن
الله لم يرد في الواقع أن يسقط آدم في الخطية ، آدم نفسه هو الذي أراد
وأنحدر بإرادته وبرأيه وباختياره ، والدليل على ذلك أنه أعد الله وسيلة
مأمونه بها يتخلص الإنسان من خطيته ومن نتيجة عقاب الخطية ، أعد له وسيلة
تمكنه من الانتصار ومن التحليق فوق الخطية وفوق نتائجها .
الله
منذ الأزل يعلم بأن الخطية سوف تدخل إلى العالم ، ولكن علمه هذا لم يكن
طبعاً دافعاً لآدم أن يسقط في الخطية . ونخطئ كثيراً عندما نقول بما أن
الله يعلم هذا الأمر فهو إذن مكتوب على جباهنا ويجب أن نقع فيه . فمثلاً
السرقة موجودة وبما أن الإنسان ضعيف لكنه ليس هناك مبرر يعطي الحق في
السرقة . فالإنسان هو الذي يختار ذلك بعلمه واختياره ، لذا كل اللوم يقع
على الفاعل أي على من يقوم بالسرقة . وقد يطرح سؤالاً ، بما أن الله أعد
الوسيلة المأمونة الإنسان لكي ينقذه من الخطية ومن نتائجها ، فلماذا يوجد
في العالم كثير من الأشرار ؟
الله ليس بعاجز على أن يبيد جميع
الأشرار من هذا العالم ، لكن هذا يتنافى مع الرسالة التي جاء من أجلها
المسيح التي أساسها محبة الله . لأنه عظيم في نعمته يصبر علينا ويمنحنا
الوقت الكافي لكي نتوب ونعود إليه كما تقول كلمة الله : " إن لطف الله
إنما يقتادك إلى التوبة " . وأما في النهاية فهو الذي يختار طريقة العقاب
ونوعه وحجمه ووقته أيضاً ، فلا نلقي اللوم على الله في الشرور فهو أعطانا
الخيار في حياتنا
وقد يتبادر إلى الذهن سؤال لماذا يسمح الله بنجاح هؤلاء الأشرار ؟
نعم
، قد يسمح الله بنجاح هؤلاء الأشرار كما يسمح أيضاً بنجاح الأبرار ، إنه
يشرق شمسه على الأشرار والأبرار معاً . إنه لا يحرم شريراً من النور
والدفيء أو البركات المادية أو المطر الذي يروي الأرض ، إنه لا يحرم
الأشرار من الخيرات الموجودة هنا وهناك . ولو فعل ذلك لوصفناه بأنه إله
غير عادل وإنه لا ينصف الجميع ، وعندما يريد أحد الحكام أن يعامل
المواطنين جميعاً بإنصاف كرئيس وكأب للجميع ، يفتح أمامهم الأبواب ويمنحهم
الفرص بشكل متكافئ ، وعلى كل منهم أن ينال الفائدة . بهذا يكون نجاح
الأشرار لا يمكن اعتباره بركة من الله ، فقد يسمح الله بأن ينجح الشرير
وأن يكون غنياً ولكنه نظراً لعدم طاعته لله ولعدم حكمته ولعدم وجود عنصر
الإيمان الذي يسيره ، فقد يكون الغنى بالنسبة له شراً عظيماً فكثيرون في
هذا العالم من أصبحت أموالهم عثرة في طريقهم ، وأصبح غناهم بئراً وهوة
سحيقة يسقطون فيها ولا يخرجون منها . بينما في الجهة المقابلة فقر
المؤمنين وعوزهم لا يؤثر على حياتهم ، بل نجد بركة خاصة في حياتهم بسببها
استطاع كثيرون من المؤمنين أن يتجاوزوا الصعاب وأن يحلقوا في سماء الحياة
الروحية ، وأن يصلوا إلى علاقة ممتازة مع الله علاقة شركة وراحة وسلام
وتعزية في القلب . ولو كانوا أغنياء ربما منعهم غناهم من كل ذلك على الرغم
من كونهم مؤمنين ، لأن سلطان المال قوي جداً ولا يمكن أن يقاومه إلا
المؤمن المتمسك بحياة القداسة الفعالة .لهذا يجب علينا أن نشكر الله لأجل
الخطة التي رسمها لنا ، فإذا سمح بأن يكون مؤمن ما فقيراً فلنشكر الرب
لأنه يريد لنا الخير ولا يريد لنا الشر ، ومع كل ذلك لا أريد أن يفهم
الإنسان بأن المال في حد ذاته خطية ويكرهه الرب ، المال والغنى لا يمكن أن
يكونا خطية ولكن سوء استعمال هذا المال وسوء إدارة هذا الغنى هو الخطية
وهو الذي يقود إلى الحفرة .وهناك كثيرون من الأغنياء وضعوا أموالهم في
الدرجة الثانية لأنهم ينظرون دوماً إلى المسيح ، لأنهم يعطونه المكان
الأول في حياتهم . فالمال والغنى والثروة كل ذلك يأتي بالدرجة الثانية لا
بالدرجة الأولى ، الله لا يمنع على المؤمن أن يكون غنياً ولكن إذا كان
الغنى سيفصل المؤمن عن خالقه فإن الله قد لا يسمح به . وفي النهاية لا
يسعنا سوى أن نقول أنه علينا أن نشكر الله تمن أجل الغنى ومن أجل الفقر ،
ومن أجل العوز ومن أجل كل شيء يسمح به بشرط أن نكون مجتهدين بحياتنا لا
متواكلين .
منقووووووول